مجتمع

ماذا لو اختفى ترامب؟ كيف سيكون شكل العالم تحت رئاسة جي دي فانس؟

ماذا لو غاب ترامب؟ مقال يرسم ملامح أميركا محتملة تحت حكم جي دي فانس… بين حمائية اقتصادية، وصدامات أيديولوجية، وتحالفات دولية على وشك الانفجار.

future جَي. دي. فانس ودونالد ترامب

جَي. دي. فانس يقدم نفسه كوجه جديد لليمين الشعبوي بعد ترامب، لكن سيرته الشخصية تعطيه صورة مغايرة. في كتابه Hillbilly Elegy تحدث عن طفولته في أبالاتشيا ومعاناة عائلته مع الفقر والإدمان، وهو ما جعل New York Times ترى أنه يمنح الشعبوية الأميركية بعدًا طبقيًا لم يكن حاضرًا مع ترامب القادم من عالم الأعمال والثراء. هذه الخلفية تسمح له بمخاطبة جمهور يشعر أن النخبة الاقتصادية والثقافية تخلت عنه، ما يمنحه شرعية يصعب الطعن فيها من خصومه في اليمين واليسار.

داخل الحزب الجمهوري، يسعى فانس إلى بناء ائتلاف واسع يدمج بين تيارات متباعدة. تقرير Brookings Institution أوضح أن هذا التحالف يضم قاعدة ترامب الشعبوية التي تركز على قضايا الهوية والحدود، والمحافظين الاجتماعيين من الإنجيليين والكاثوليك، وشبكة من مستثمري وادي السيليكون مثل بيتر ثيل. هذا المزيج يبدو متناقضًا لكنه يعكس محاولة لتجديد الحزب عبر الجمع بين الطبقة العاملة ورأس المال المغامر والتقليد الديني المحافظ. قدرة فانس على إدارة هذا التناقض ستكون محددة لمستقبله السياسي.

الاقتصاد يحتل موقع القلب في رؤيته، حيث يدمج بين الحماية التجارية والأمن القومي. Financial Times وصفت خطابه في أوهايو بأنه عودة لزمن الرسوم الجمركية، لكنه يصوغها بلغة وطنية: الجيش الأميركي لا يجب أن يعتمد على رقائق أو معدات صينية. هذه الصياغة تكسبه مصداقية بين العمال في ولايات حزام الصدأ، لكنها تثير قلق الاقتصاديين الذين يحذرون من آثار تضخمية وانتقام تجاري أوروبي وآسيوي.

التكنولوجيا تمثل ساحة رئيسية لصراعه مع النخبة. تقرير Politico أشار إلى أن فانس من أبرز دعاة تفكيك جوجل وأمازون ومحاسبة شركات التواصل على هيمنتها، وهو خطاب يلتقي مع اليسار الديمقراطي في مكافحة الاحتكار. لكنه في الوقت نفسه يحظى بدعم مستثمري الكريبتو والذكاء الاصطناعي الذين يعتبرونه صوتهم السياسي. هذا التناقض يوضح طبيعة مشروعه: محاربة عمالقة المنصات التقليدية مع فتح الباب أمام ابتكارات جديدة أكثر خطورة حسب توصيف خصومه.

في ملف الإجهاض، تراجع فانس عن مواقفه الأكثر تشددًا بعد أن ألغت المحكمة العليا حكم "رو ضد ويد". Washington Post ذكرت أنه كان يرفض أي استثناءات حتى في حالات الاغتصاب، لكنه عاد ليقول إن الأمر يجب أن يترك للولايات مع بعض الاستثناءات. هذا التحول يعكس إدراكه لصعوبة الفوز بانتخابات عامة من دون استمالة النساء المستقلات والناخبات في الضواحي.

الهجرة بالنسبة لفانس ملف هوية بامتياز. The Economist اعتبرت أن خططه تقوم على تقليص الأعداد لذاتها، عبر ترحيل واسع وتشديد التأشيرات. هذه السياسة تكسبه قاعدة صلبة بين ناخبي الحدود والعمال البيض، لكنها تضعه في مواجهة مع قطاعات اقتصادية تعتمد على العمالة المهاجرة. بهذا المعنى، يكرر فانس تجربة ترامب لكنه بصياغة أكثر صلابة وأقل براجماتية.

في السياسة الخارجية، يتبنى فانس ما وصفته Foreign Affairs بالواقعية الانكفائية. فهو يرى أن أموال الأميركيين يجب أن تُصرف داخليًا بدل تمويل الحروب، ويركز على أن أوروبا يجب أن تتحمل تكاليف أمنها. في المقابل، يرفع سقف المواجهة مع الصين باعتبارها العدو الأول، مما يجعله مرشحًا لإعادة ترتيب أولويات البنتاجون نحو آسيا على حساب أوروبا والشرق الأوسط.

تصريحاته حول أوكرانيا كشفت هذه الرؤية بشكل فاضح. في مقابلة مع Fox News قال إنه "لا يهتم بما سيحدث لأوكرانيا"، وهي عبارة نقلتها Le Monde كإشارة على تحوّل عميق داخل الحزب الجمهوري. لاحقًا حاول تعديل موقفه بالحديث عن "تقاسم الأعباء" لكنه لم يتراجع فعليًا عن جوهره. النتيجة أن أوروبا تنظر إليه بعين القلق، وتستعد لاحتمال انسحاب واشنطن من لعب دور المظلة الأمنية.

في الشرق الأوسط، يضع فانس أمن إسرائيل قبل أي اعتبار آخر. Haaretz أكدت أنه يرفض الاعتراف بدولة فلسطينية في الظروف الراهنة، وهو بذلك أقرب إلى نتنياهو من أي رئيس أميركي سبقه. بالنسبة له، الحل هو دعم عسكري مفتوح لتل أبيب مع إدارة الملف الإنساني عبر هدن قصيرة بوساطة مصرية أو قطرية، من دون الدخول في مسار سياسي شامل.

إيران بالنسبة لفانس تمثل الخطر المركزي في المنطقة. Wall Street Journal وصفت خطابه بعد الضربات الإسرائيلية لإيران بأنه دعوة إلى "تصعيد مُدار"، أي ضربات دقيقة تدمر القدرات الحساسة مع تجنب حرب شاملة. هذه السياسة تعكس المزاج الجمهوري العام: لا انسحاب كامل ولا تورط طويل. لكنها تزيد من خطر سوء الحسابات والتصعيد غير المقصود.

اليمن شكل مثالًا على براجماتية فانس. Reuters رصدت أن الإدارة التي يؤيد توجهاتها صنفت الحوثيين منظمة إرهابية ثم دعمت ضربات بحرية مكثفة ضدهم، لكنها قبلت لاحقًا بوقف إطلاق نار بوساطة عمانية مقابل عودة الملاحة. هذا النهج يعطي نتائج ملموسة للجمهور لكنه يترك جذور الأزمة من دون حل، ما يعني أن التوتر قد يعود مع أي تصعيد إيراني.

في الداخل، يروج فانس لمشروع "اقتصاد العائلة العاملة". New York Times نقلت أن خططه تتضمن إعفاءات ضريبية للأسر وحوافز للعمل الإضافي بلا ضرائب. هذه الإجراءات تبدو رمزية لكنها قادرة على حشد أصوات الطبقة الوسطى في ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا وميتشيجان. وهو يستخدم قصته الشخصية كابن لأسرة فقيرة لصبغ هذه السياسات بمصداقية وجدانية.

تحالفاته الحزبية معقدة. Politico لاحظت أن الجمهوريين التقليديين الموالين للسوق الحر ينظرون بعين الريبة إلى حمائيته الاقتصادية، فيما يجد دعمًا قويًا من مستثمري وادي السيليكون الذين يرون فيه فرصة لمواجهة احتكار "بيج تك". هذا التوتر يحدد مدى قدرته على قيادة الحزب إذا غاب ترامب.

في أوروبا يثير فانس قلقًا واسعًا. Der Spiegel ذكرت أن خطابه في مؤتمر ميونيخ 2025 كان صريحًا: "على الأوروبيين أن يزيدوا إنفاقهم الدفاعي". هذا التصريح زاد من الدعوات إلى الاستقلالية الاستراتيجية في بروكسل وبرلين، لكنه عمّق الانقسام عبر الأطلسي. إذا أصبح رئيسًا، فإن الناتو قد يجد نفسه في أخطر اختبار منذ نهاية الحرب الباردة.

ثقافيًا، يعكس فانس نزعة محافظة متجذرة في كاثوليكيته. Atlantic أشارت إلى أنه يرى في الزواج والإنجاب قضايا سياسية مركزية، ويعتبر انهيار الأسرة نتيجة مباشرة للعولمة والليبرالية الثقافية. هذه الرؤية تمنحه دعمًا قويًا من المحافظين لكنها تضعه على طرف نقيض مع الأجيال الشابة في الجامعات والمدن الكبرى.

الصين هي عدوه الأكبر. Financial Times وصفت خطته تجاه بكين بأنها أشد من ترامب، إذ تشمل تعريفات شاملة وقيودًا على الاستثمار في التكنولوجيا. لكنه يدرك أن الاقتصاد الأميركي لا يستطيع قطع الروابط دفعة واحدة، لذلك يراهن على نقل سلاسل التوريد إلى المكسيك والهند. هذه السياسة تحمل مخاطر تضخمية لكنها تلبي المزاج القومي الصاعد.

في ملف غزة، يدعم فانس إسرائيل بلا تردد لكنه يقبل بحد أدنى من الهدن الإنسانية. Guardian رصدت أنه رفض أي ضغوط سياسية على تل أبيب لكنه لم يعارض إدخال مساعدات عبر مصر. هذا الموقف يرضي قاعدته الجمهورية لكنه يفاقم التوتر مع أوروبا والجنوب العالمي.

علاقته بالإعلام تقوم على عداء واضح. New York Times لاحظت أنه يهاجم ما سماه "الصحافة الكاذبة" في خطاباته، ويفضل التواصل عبر منصات بودكاست يمينية. هذا الأسلوب يضمن ولاء قاعدة رقمية واسعة لكنه يعمق الشرخ مع الإعلام التقليدي ويحد من قدرته على مخاطبة جمهور أوسع.

إدارته المحتملة ستعيد تعريف العلاقة مع البيروقراطية. Washington Post أشارت إلى أنه من أبرز داعمي إعادة إحياء "Schedule F" التي تسمح للرئيس بطرد آلاف الموظفين الفدراليين. هذه السياسة تهدف إلى تحويل الوكالات المستقلة إلى أدوات مباشرة بيد البيت الأبيض، مما يهدد التوازن بين السلطات.

في ملف الطاقة، يتبنى ما يسميه "الواقعية المناخية". The Economist أوضحت أنه يفضل توسيع إنتاج النفط والغاز المحلي على حساب الاستثمار السريع في الطاقة المتجددة، معتبرًا أن أمن الطاقة يجب أن يتقدم على أهداف الحياد الكربوني. هذه السياسة تكسبه دعم الصناعات الثقيلة لكنها تضعه في مواجهة مع أوروبا التي تدفع نحو التحول الأخضر.

صورته لدى الشباب معقدة. New York Magazine ذكرت أن فانس يحظى بشعبية لدى شباب "البودكاست" المحافظين لكنه مكروه في الجامعات بسبب مواقفه من الهجرة والنوع أو الجندر. هذا الانقسام قد يضعف حملته إذا لم يجد خطابًا يجذب جزءًا من الناخبين الشباب في المدن.

في القضاء، يتبنى فانس نظرية "الوحدة التنفيذية". Brookings حللت أن رؤيته تقوم على منح الرئيس سلطة واسعة على الوكالات الفدرالية، ما قد يثير نزاعات دستورية مع الكونجرس والمحكمة العليا. هذه النزعة نحو تركيز السلطة تذكر كثيرًا بترامب لكنها أكثر تنظيرًا أيديولوجيًا.

في العالم العربي، يتبنى نهج "العقد مقابل الدور"

فيرى في تقديم الدعم الأمني لمصر والخليج وسيلة لمقايضتها باصطفاف اقتصادي ضد الصين وضبط التمويل الإيراني. هذه البراجماتية تشبه ترامب لكنها أكثر وضوحًا في صياغة عقود سياسية واقتصادية متبادلة.

الهند شريك مهم لكنه ليس بمنأى عن الضغط. Financial Times ذكرت أن فانس يهدد بفرض عقوبات ثانوية على نيودلهي إذا واصلت شراء النفط الروسي، رغم أنه يعتبرها ركيزة في مواجهة الصين. هذا التناقض يعكس مقاربته بشأن الصفقات: حتى الحلفاء يجب أن يلتزموا أولويات واشنطن.

دبلوماسيًا، يفضل الصفقات الصغيرة على الاتفاقيات الكبرى. Foreign Policy أشارت إلى أنه يرى في تبادل الأسرى أو فتح الموانئ أو تقديم قروض مشروطة إنجازات عملية أكثر من معاهدات شاملة. هذه السياسة تمنحه قصص نجاح سريعة لكنها تراكم ملفات مؤجلة بلا حلول نهائية.

قصته الشخصية أداة انتخابية فعالة. New York Times وصفت كيف يستعيد طفولته في أبالاتشيا وصعوده إلى جامعة ييل لتأكيد شرعيته كصوت "أميركا المنسية". هذه السردية تعزز صورته لكنها أيضًا تُتهم بالمبالغة واستخدام المعاناة كأداة سياسية.

في أوروبا، يقسم الحلفاء إلى درجات. Le Monde لاحظت أنه يقترب من لندن ووارسو لكنه يتصادم مع برلين وباريس. هذه السياسة تستغل الانقسامات الأوروبية لكنها قد تقوض وحدة الناتو على المدى الطويل.

الأقليات اللاتينية جزء من حساباته. Politico كتبت أن خطابه في أريزونا ركز على وظائف التصنيع وأمن الحدود لكسب أصوات اللاتينيين المحافظين. هذه الاستراتيجية تمزج بين قضايا اقتصادية وأمنية لتوسيع القاعدة الانتخابية.

أخلاقيًا، يبني فانس مشروعه على "الفضيلة الاجتماعية". Atlantic أوضحت أنه يرى أن على الدولة أن تشجع الزواج والإنجاب عبر الحوافز الضريبية. هذه الرؤية تضعه على يسار النيوليبرالية اقتصاديًا وعلى يمين الليبرتارية ثقافيًا، ما يجعله مثيرًا للجدل بين المحافظين والليبراليين على السواء.

ملفات الشرق الأوسط الأخرى تكشف نمطه في الإدارة. Wall Street Journal شرحت أن سياسته تجاه إيران والحوثيين تقوم على ضربات قاسية يعقبها وقف إطلاق نار قصير. هذا النموذج يمنحه نتائج سريعة لكنه يترك جذور النزاعات بلا علاج.

إذا وصل فانس إلى الرئاسة بعد ترامب، فسيحكم وفق إجماع قومي جديد يركز على الأمن الاقتصادي، ضبط التكنولوجيا، تقييد الهجرة، وإعادة تعريف التحالفات الدولية. The Economist ختمت بأن هذه السياسات قد تمنح الولايات المتحدة استقرارًا تكتيكيًا قصير المدى لكنها تحمل خطر ترك أزمات طويلة الأمد بلا حلول جذرية، مما يضع واشنطن في موقع إدارة أزمات متكررة بدل صياغة نظام عالمي مستقر.

# دونالد ترامب # الولايات المتحدة الأمريكية # جي دي فانس

مقتل تشارلي كيرك ومحاولة رسم صورة أكبر
ثورة ترامب
إعادة التفكير في الجيوبوليتيكا

مجتمع